کد مطلب:280403 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:267

الطریق إلی المسیح
ذكر العدید من المحققین أن الیهود فی عهد السبی. انخرطوا فی المجتمع. وبالذات أن بابل كانت من أغنی المناطق فی بلاد ما بین البحرین، وهذا أتاح لهم العمل فی الزراعة والتجارة والأعمال الخاصة، وفی النهایة أصبحوا مواطنین عادیین داخل الدولة یتمتعون بكافة الحقوق السیاسیة والاجتماعیة، وعندما زالت دولة بابل وظهرت الدولة الفارسیة التی خضعت لسیطرتها دول المنطقة، استفاد الیهود من سیاسة الملك الفارسی (قورش). وكانت المبادئ العامة لهذه السیاسة إعادة السكان المبعثرین حول نهر دجلة والفرات إلی أوطانهم، فهذه السیاسة أحیت الأمل لدی الیهود فی بابل فی العودة مرة أخری إلی فلسطین، وبدأت الزعامة الدینیة فی الظهور تصنع الأحداث وتقود المسیرة، وذكر العدید من المحققین أن الیهود كانوا فی قدیم الزمان یسمون فقهاءهم بالحكماء، نظیر تعلیمهم الشعب القانون الشفهی وإشرافهم علیه، وكان



[ صفحه 110]



لهؤلاء الحكماء من المدارس فی بابل والمدائن والشام. ما لم یكن لأحد من الأمم مثله، وكان لهم فی العصر الواحد كثیر من الحكماء. فی زمان دولة النبط البابلیین والفرس ودولة الیونان ودولة الروم.

وبعد أن أحیت سیاسة الملك الفارسی قورش الأمل فی نفوس الیهود، اتفق السامریون والعبرانیون علی إعادة كتابة التوراة فی بابل، وشكل العلماء لجنة لهذا الغرض برآسة (عزرا)، وقد جمعت هذه اللجنة معلومات من التاریخ القدیم للمسیرة الإسرائیلیة. ومعلومات أرادوا إدخالها علی النصوص الأصلیة، [1] وقبل أن تكمل هذه اللجنة عملها.

صدر الأمر الفارسی للیهود بالرجوع إلی أرض كنعان، ویقول أبو الحسن السامری فی تاریخه: إن الفارسیین لما سمحوا للیهود بالعودة. طلبوا منهم أن یتحدوا تحت رآسة واحدة. وتكون لهم عاصمة واحدة لیسهل التعامل معهم، فانقسم الیهود. وأصر یهود السامرة أن تكون الرآسة فیهم. وأن یكون هیكلهم فی نابلس، وأصر یهود أورشالیم أن تكون الرآسة فیهم. وبكون هیكلهم مكان الهیكل القدیم، واشتد العداء بین الفریقین وسجل العهد القدیم هذا العداء. عندما شرعوا فی بناء الهیكل فی أورشالیم. [2] .

وبدأت خطوات المسیرة للقافلة الإسرائیلیة بإعادة بناء الهیكل تحت حكم زربابل [3] (538 ق. م) ثم بدأ ما سمی بعصر الاصلاح تحت حكم عزرا [4] (458 ق. م) ثم قام نحمیا ببناء السور [5] .



[ صفحه 111]



(445 ق. م) وانتهت مسیرة العهد القدیم بسفر النبی ملاخی، [6] وكانت هناك فترة صمت لا یوجد فیها عهود جدیدة. وقررت هذه الفترة بأربعمائة عام. ثم جاء العهد الجدید. [7] والشواهد الكتابیة للمسیرة الإسرائیلیة (من 538 - ق. م) تنحصر فی أسفار: عزرا، نحمیا، استیر، حبقون، زكریا، ملاخی، بالإضافة إلی رؤیا دنیال وما أخبر به حزقیال، وبالنظر فی حركة المسیرة من خلال هذه الشواهد الكتابیة، یجد الباحث أن المسیرة بدأت حركتها بالاختلاف. وعلی هذا الاختلاف ظهرت توراة سامریة تقول أن القبلة فی جبل (جزریم)، وأخری عبرانیة تقول بأنها فی جبل (عیبال)، وقال یهود السامرة أن المسیح المنتظر من سبط یوسف بن یعقوب، بینما قال أورشالیم أنه من سبط داوود.

وإذا أردنا أن نحكم علی المسیرة من خلال الشواهد الكتابیة، نجد (نحمیا) یقول عند المقدمة: فی تلك الأیام رأیت فی یهوذا قوما یدوسون معاصر فی السبت... فخاصمت عظماء یهوذا وقلت لهم: ما هذا الأمر القبیح الذی تعملونه وتدنسون یوم السبت. ألم یفعل آباؤكم هكذا فجلب إلهنا علینا كل هذا الشر وعلی هذه المدینة، وأنتم تریدون غضبا علی إسرائیل إذ تدنسون السبت. [8] ویقول فی تلك الأیام أیضا رأیت الیهود الذین ساكنوا نساء أشدودیات وعمونیات وموآبیات، ونصف كلام بنیهم باللسان الأشدودی، ولم یكونوا یحسنون التكلم باللسان الیهودی، بل بلسان شعب وشعب، فخاصمتهم ولعنتهم. [9] .



[ صفحه 112]



أما عند النهایة. نجد فی (ملاخی) الذی بسفره ینتهی العهد القدیم، نجد إدانة واضحة للمسیرة ولقیادتها، قال: قال لكم رب الجنود: أیها الكهنة المحتقرون اسمی. وتقولون: بم احتقرنا اسمك؟

تقربون خبزا نجسا علی مذبحی وتقولون بم نجسناك. [10] ویقول والآن إلیكم هذه الوصیة أیها الكهنة. إن كنتم لا تسمعون ولا تجعلون فی القلب لتعطوا مجدا لإسمی، قال رب الجنود: فإنی أرسل علیكم اللعنة وألعن بركاتكم، بل قد لعنتها لأنكم لستم جاعلین فی القلب. [11] وقال لهم: قال رب الجنود: من فیكم یغلق الباب بل لا توقدون علی مذبحی مجانا، لیست لی مسرة بكم. قال رب الجنود: ولا أقبل تقدمة من أیدیكم. [12] .

وهكذا رأینا عند المقدمة كیف انحرفت المسیرة، ثم رأینا عند النتیجة كیف ضربها اللعن، وفی سفر (ملاخی) وهو آخر أسفار العهد القدیم، نجد أن السفر بین للمسیرة قیادة الهدی التی یختتم بها الله المسیرة الإسرائیلیة، وبشر بقیادة الهدی التی یختتم بها الله المسیرة البشریة، وفی تحدید قیادة الهدی للمسیرة الإسرائیلیة، بین أن الباب الذی فتحه الله فی سبط (لاوی). وجاء منه موسی وهارون وبنوه، هو نفس الباب الذی یأتی منه آخر قیادة هدی للمسیرة الإسرائیلیة، لتنتقل القیادة بعد ذلك فی اتجاه شعب آخر وأرض جدیدة. قال (ملاخی) فی قیادة الهدی التی ینبنی علی المسیرة انتظارها: إنی أرسلت إلیكم هذه الوصیة لیكون عهدی مع لاوی قال رب الجنود: كان عهدی معه للحیاة والسلام، وأعطیته إیاهما للتقوی فاتقانی، ومن اسمی ارتاع هو، شریعة



[ صفحه 113]



الحق كانت فی فیه، والإثم لم یوجد فی شفتیه، سلك معی فی السلام والاستقامة وأرجع كثیرین عن الإثم، لأن شفتی الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه یطلبون الشریعة، لأنه رسول رب الجنود، أما أنتم فحدتم عن الطریق وأعثرتم كثیرین بالشریعة، أفسدتم عهد لاوی، فأنا أیضا صیرتكم محتقرین ودنیئین عند كل شعب. كما إنكم لم تحفظوا طرقی بل حابیتم فی الشریعة. [13] .

من هذه النصوص نجد أن (ملاخی) ذكرهم بالبدایة التی عندها نصب الله هارون كاهنا للشریعة وجعلها من بعده فی بنیه، وهؤلاء هم ذروة سبط لاوی، ثم بین لهم أن عهد الله مع هؤلاء ولیس مع غیرهم، فغیرهم حاد عن الطریق وأفسد فی الأرض، ثم أخبرهم بأن الله سیرسل إلیهم واحد من هذا السبط لیسوق قاعدة السبط ومن ورائها بقیة الأسباط، ها أنذا أرسل ملاكی فیهئ الطریق أمامی. ویأتی بغتة إلی هیكله السید الذی تطلبونه وملاك العهد الذی تسرون به، وهو ذا یأتی، قال رب الجنود: ومن یحتمل یوم مجیئه. ومن یثبت عند ظهوره. لأنه مثل نار المحص ومثل أشنان القصار، فیجلس ممحصا ومنقیا للفضة، فینقی بنی لاوی ویصفیهم كالذهب والفضة. لیكونوا مقربین للرب تقدمة بالبر، فتكون تقدمة یهوذا وأورشالیم مرضیة للرب. كما فی أیام القدم وكما فی السنین القدیم. [14] .

وبعد أن أشار السفر إلی بعثة آخر الأنبیاء فی سبط لاوی، وهو المسیح عیسی بن مریم كما سنبین فی موضعه، تحدث عن الیوم المخوف الذی ینهی المسیرة البشریة، وأخبرهم بأن الله قبل هذا الیوم.

سیبعث إلی البشریة النبی (إیلیا) ومهمته هی فتح أبواب الرحمة. قبل أن



[ صفحه 114]



یضرب الله المستكبرین وكل فاعلی الشر ویحرقهم، قال: فهوذا یأتی الیوم المتقد كالتنور، وكل المستكبرین وكل فاعلی الشر یكونون قشا، ویحرقهم الیوم الآتی. قال رب الجنود: فلا یبقی، لهم أصلا ولا فرعا، ولكم أیها المتقون اسمی تشرق شمس البر والشفاء فی أجنحتها. ثم قال هأنذا أرسل إلیكم إیلیا النبی قبل مجئ یوم الرب الیوم العظیم والمخوف، فیرد قلب الآباء علی الأبناء وقلب الأبناء علی آبائهم، لئلا آتی وأضرب الأرض بلعن. [15] .

وإیلیا النبی. وضعه الیهود وفقا لعلم حساب الحروف، ومجموع هذا الاسم یشیر إلی اسم النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم. الذی یختتم به الله المسیرة البشریة. [16] .

وبهذه الخاتمة انتهی العهد القدیم لیبدأ العهد الجدید، الذی یتحدث عن المسیح عیسی بن مریم علیهما السلام.


[1] نقد التوراة / د. حجازي السقا ص 74.

[2] أنظر عزرا إصحاح 4، 5.

[3] المصدر السابق 2 / 2.

[4] المصدر السابق 7 / 13.

[5] نحميا 2 / 1 - 9.

[6] مفاتيح الأسفار الإلهية ص 45.

[7] المصدر السابق ص 45.

[8] نحميا 13 / 15 - 18.

[9] المصدر السابق 13 / 22 - 5 2.

[10] ملاخي 1 / 6.

[11] المصدر السابق 2 / 1 - 3.

[12] المصدر السابق 1 / 9 - 11.

[13] ملاخي 2 / 4 - 9.

[14] المصدر السابق 3 / 1 - 5.

[15] المصدر السابق 4 / 1 - 6.

[16] أنظر كتاب بشارة نبي الإسلام / د. حجازي السقا.